يا أرض انشقي وابلعيني

موضوع: يا أرض انشقي وابلعيني 2009-09-11, 05:31

جميعاً مررنا بفترة المراهقة بما فيها من مشاعر فياضة ومتقلبة في نفس
الوقت، وطبعاً كلنا تخيلنا فارس الأحلام على حصانه الأبيض، وسهرنا الليالي
وعددنا النجوم

بدأت معي هذه الحدوتة في الصف الثاني الإعدادي عندما رأيته لأول مرة
بقامته الفارعة وهدوئه وحيائه الشديد، إنه أستاذ محمد -مدرس العلوم- لا
أعلم لم هو بالتحديد من خفق له قلبي على الرغم من أنه كان يكبرني بعشرة
أعوام؛ ولكن هذا الفرق لم يشغل ذهني؛ فكان كل ما يسيطر على عقلي هو رؤيته
وجذب انتباهه من خلال تفوّقي في الدراسة؛ ولكني لم أجد منه سوى اهتمام
عادي بطالبة متفوقة ليس أكثر، وهذا جرح قلبي البريء الأخضر؛ ولكنه في نفس
الوقت لم يمنعني من التفكير فيه بيني وبين نفسي.
كنت دائماً أذهب إليه مفتعلة أية أسئلة أو موضوع لمجرد الحديث إليه؛ حتى
كان يوم ذهبت إلى الحديث معه، وكان يقف معه أستاذ عاطف -مدرس الرياضيات-
وبالصدفة ذكرت اسم قريب لي يعمل في جامعة القاهرة، وأخبرني أستاذ عاطف أنه
كان صديقاً لقريبي في الجامعة، وطلب مني أن أسلم عليه كثيراً، وبعد هذا
الموقف بيومين كنت أتمنى التحدث مع أستاذ محمد؛ ولكن لم أجد سبباً للذهاب،
وفكرت كثيراً وفجأة نوّرت اللمبة في دماغي، وقلت ليه ما أروحش أقول له: إن
قريبي يسلم عليه؟ طبعاً بتقولوا البت دي عبيطة، ده مدرس الرياضة هو اللي
زميله.
ما علينا أنا رحت زي الشطورة أكلّمه وحاطة ابتسامة زي ابتسامة الموناليزا
على وشي، وبدأت الحديث: عامل إيه يا أستاذ؟ على فكرة أنا كلمت قريبي
إمبارح وبلغته سلامك، وهو كمان بيسلم عليك أوي ونفسه يشوفك، وكلمني كتير
عن أيام دراستكم سوا. طبعاً أنا لا كلمت قريبي ولا حاجة، أكيد إنتم
بتضحكوا دلوقتي على الموقف الشنيع والمحرج ده؛ لأن المدرس وبكل ذوق وأدب
رد عليا: الله يسلمه؛ بس هو فيه حاجة بسيطة؛ مش أنا اللي صاحب قريبك، ده
أستاذ عاطف. طبعاً وشي جاب ألوان الطيف، وقلت في سري يا أرض انشقي
وابلعيني، وكدت أبكى من هذا الموقف السخيف، وأخذت أعتذر بشدة؛ بس يفيد
بإيه الكلام؟ بصراحة المدرس لم يصعّب الأمر عليّ؛ بل عاملني بلطف وأعطاني
بونبوناية، وظللت أحتفظ بها لمدة طويلة؛ ولكن الطفاسة خدتني وجعت في مرة
وكلتها؛ ولكني احتفظت بالورقة الفارغة كتذكار، والآن بعد مرور عشرة أعوام
على هذا الموقف كلما رأيت هذا المدرس صدفة في الشارع أضحك وأتذكر هذه
اللحظة كما أتذكر المشاعر البريئة والقلوب اليانعة، وتلك الأيام الجميلة
التي يتمنى الإنسان لو تعود.
صحيح نسيت أقول لكم إن المدرس ده تزوج، وأنا في الصف الثاني الثانوي،
وحضرت فرحه مع أصدقائي وكنت سعيدة جداً من أجله؛ حيث اكتشفت أنني كنت
أُكنّ له مشاعر أخوة واحترام ليس أكثر.