أولا وقبل أي مقدمة.... الإجابة عن السؤال هل فشل مسلسل باب الحارة في السطر الأخير...
في إحدى المقابلات التي شاهدتها مؤخرًا مع "أبي شهاب" على قناة فضائية، توقع "العقيد" ان ينتهي الجزء الرابع بالفشل.
وقال أبو شهاب في هذه المقابلة المتلفزة إن مخرج باب الحارة قد "ذبح
شخصيات المسلسل"، ومن هؤلاء: أبو عصام وأبو شهاب، فكل من يخالفه الرأي
يطرده من المسلسل الذي أحبته الجماهير في كل العالم العربي. والجماهير،
بدون أي استطلاع للرأي عاشت هذه السنة على أعصابها مع باب الحارة. لكنه
يفتقر إلى شخصيات محورية كبيرة مثل أبي عصام وأبي شهاب نفسه وحتى أبي غالب
البليلة بلبلوكي...
تعالوا نبدأ من الأخير. أبو غالب أعطى للأجزاء الثلاثة مقادير من الفكاهة
ومن النغمة الصوتية المعروفة عبر دور الشرير اللئيم الذي يحتاجه المسلسل،
أي مسلسل ليقدم للمشاهد نموذجا ينتصر فيه الخير على الشر. بدلا من أبي
غالب شاهدنا هذه المرة "النمس" الذي نجح في أن يدخل إلى مقاسات شخصية أبي
غالب بسهولة، وإن كنت أنا شخصيا أفضل أبا غالب. فشخصية "النمس" وإن كانت
طريفة وصاحبة مفاجآت ودسائس وحيل وخدع ومقالب إلا أنه "يزيد" من مقادير
التفكه، والزائد يصبح "أخا للناقص" أحيانا.. مع أن الرينغتون الذي نسمعه
من الهواتف الخلوية دليل قاطع على أن النمس استطاع ان يصبح أغنية يرددها
الشباب وطلاب المدارس .. اية والله حيالله...
وإذا كنا نتوقع أن باب الحارة بدون أبي عصام لن ينجح كثيرا فأتى الجزء
الثالث وتوّج أبا شهاب العقيد الزعيم الأكبر لباب الحارة ثم اندلع الشجار
بينه وبين المخرج فطرده من المسلسل وعندها تأكدنا تمامـًا.. بدون أبي شهاب
سيفشل باب الحارة.. لكن المسلسل فاجأنا.. والمخرج وكاتب السيناريو
والآخرون "رقّعوا" الثغرات والفجوات التي تخللت المسلسل بنجاح لا بأس
به...
لقد دفع المخرج بشخصية أبي حاتم إلى واجهة الأحداث، وألبسه عباءة أبي شهاب
فكانت كبيرة المقاس عليه. أبو حاتم يدهشنا بطول باله وصبره الكبير (كما
رفض أن يقتلوا الاسرى الفرنسيين)، ومحبته لعائلته الطيبة، وقدرته على كبح
جماح عصبية معتز وفورة شبابه عند اللزوم... وهو الرجل الشرقي المنفتح الذي
يسمح لابنته بكشف وجهها أمام خطيبها الحكيم، ويتعامل مع زوجته برقة لطيفة
وجميلة... لكنه لا يستطيع أن يحل محل أبي شهاب حيث تنقصه رجولته
وكاريزمته... أنا شخصيا كنت أرشح منى واصف "أم جوزيف" أن تكون هي التي ترث
العقيد، لكنها من حارة أخرى. أم جوزيف شخصية هائلة، مدهشة، رجل بثياب
امرأة. المخاتير مفتونون بقوتها ورجولتها التي تجعلها تدخل الحارة وهي
مسلحة من بين العسكر... أعتقد أن لحظة الوداع التي أمسكت فيها شعر أبي
يوسف وقبلته هي أقوى لحظة في المسلسل حتى الآن، وحتى أكثر من لحظة
الإعدام...
اضطر المخرج إلى استعادة أبي جودت. شخصية أبي جودت أعادت للمسلسل مواصفات كاريكاتورية حيوية...
كنت أتوقع ان يلعب معتز دورًا أكبر، لكنه بقي في خانة الشاب الجدع القبضاي
والعصبي والحقاني الذي يحبه الناس... وإن كنت أحيي النموذج الذي يقدمه لنا
في احترامه لأبيه وفي تقبيل يد أمه لترضى عنه.
هناك بعض الأحداث المكررة التي لا داعي لها مثل مشاهد السراديب والمغاور والأنفاق التي تكاد لا تنتهي...
أحد المفاتيح الهامة لنجاح باب الحارة في هذا الجزء هو التركيز على
المواجهة العسكرية مع الفرنسيين. أظن أن التركيز على هذه المواجهة هو ما
أعطاه الأكسجين وزوده بجرعات من الحياة... لكن المخرج "زودها حبة" حيث
وصلنا ثلثي عمر المسلسل وليست لدينا سوى قصة واحدة مركزية وكبيرة... أين
القصص الأخرى؟ القصص الأخرى تلاشت وتبددت... حتى الأحداث التي ابتكرها مثل
البيت الذي توجد في ساحته جثة مدفونة، أو عودة هذا أو ذاك إلى الحارة لم
تستطع أن تزحزح الحدث المركزي... وهو المواجهة مع الفرنسيين وعدم استسلام
أهل الحارة حتى لو سُجِنُوا وتعرضوا لأفظع أنواع العذاب في السجن
الفرنسي.. لكن، السنا بحاجة إلى أحداث وقصص أخرى؟ في مرحلة معينة كدنا
نعتقد أن المسلسل استهلك نفسه لكن الجماهير بقيت تتابعه.. فعند الساعة
العاشرة يبدأ "منع التجول" في الشوارع. السيارات والمارة يسارعون إلى
بيوتهم لمشاهدة باب الحارة.
ومأمون... ظننا في البداية أنّ النمس سيكون هو "الجاسوس".. الذي نحب أن
نكرهه.. لكن ها هو مأمون الذي تحوم حوله الشكوك بصورة تشبعنا فضولا
وتوترا.. لقد نجح بسام الملا في إدخال شخصيات تمكنت من إبقاء باب الحارة
مفتوحا على النجاح..
أبو بدر، من الشخصيات الطريفة والممتعة في باب الحارة، لكن التركيز عليه وعلى فوزية أرهق المسلسل... قليلا...
وأحسن المخرج عندما دفع بالنساء إلى مواجهة الفرنسيين عندما غاب الرجال عن الحارة..
افتقدنا إلى الأحداث والقصص وإلى مشاغل باب الحارة ومقالبها...
النقاط الايجابية التي تحسب للمخرج الملا يمكنها أن تقدم الإجابة لأبي
شهاب: يا عزيزي أبا شهاب يا مفتول العضلات والشوارب، أيها الرجل الذي كان
فخرًا للحارة، يا عزيزي كان غيابك صعبا على المسلسل إلا أن باب الحارة
تمكن من تجاوز هذه العقبة...
السؤال: كيف سيكون باب الحارة بدون مواجهة مع الفرنسيين؟ هل الشخصيات
العائدة من أمريكا الشمالية والجنوبية والصومال هي الحل لإنقاذ المسلسل؟
لماذا لم يخبرنا بمصير أبي شهاب؟ لماذا لم يبلغنا انه توفي أو استشهد؟
لماذا أبقاه خارج الصورة وأبقى زوجته تنتظر؟ ما الداعي لوجود زوجته النجمة
مراد التي لم يكن لها دور يذكر في المسلسل؟ ألم يكن وجودها في زائدًا؟ هل
ينوي المخرج إعادة أبي شهاب في الجزء القادم؟ هل سيوافق سامر المصري على
العودة بعد طرده بهذه الصورة الفظة من المسلسل؟
أنا أكتب هذه المقالة وما زالت أمامنا حلقات طويلة حتى نعرف النهاية..
لكن، بعد أبي عصام وأبي شهاب فإن باب الحارة قد فقد عنصرين مهمين من عناصر
نجاحه فإلى متى سنفقد شخصيات أخرى وسنستورد شخصيات غريبة ولذيذة مثل مأمون
وأم جوزيف؟
ثم إن "وقفة" كل حارات الشام مع حارة الضبع هي من العلامات الطيبة.. لكن
هل بسهولة سوف نعود إلى الشجارات والطوش بين أبناء هذه الحارات الذين
يضحون بأرواحهم من أجل إخوانهم في حارة الضبع.. هل في الأجزاء القادمة سوف
نعود إلى قصص الصراع بين الحارات بعدما وقفت جميعا في وجه المحتل الغاشم؟
أسئلة كثيرة ترافق المسلسل الذي حقق النجاح الجماهيري المطلوب رغم غياب
الفنان السوري سامر المصري أبي شهاب.. نعم، عزيزي أبا شهاب، لقد بقي باب
الحارة على قيد الحياة