قصة صمتى
يأتي الغروب .. غروب عرفني دائماً في هذه الدنيا غريب ..
لا امتلك فيها سوى صمت مطلق ..
صمت شهد عليه كل ما أحاط كياني .. شهدت عليه عصافير الربيع ..
شهدت عليه حسناوات الدنيا ..
حتى السماء كادت تنزل إلي وتسأل عن سبب صمتي ..
عيناي مليئتان ببريق حزن أثار فضول كل
الحاضرين .. ونظرات تدرك عيوني السارحة ..
تبقي أبصارها مركزة على سر صمتي ..
تحاول اقتحام أعماقي .. أو حل لغز ما في داخلي ..
ولكن سرعان ما أغمض مقلتاي التي تحاول أن
تمسك دموع أفلتت من عيوني دون إذن مني ..
امسكها حتى لا يراها احد .. فهي أغلى ما لدي .. لأنها
تحمل سر حزني .. تحمل قصص جرت في حياتي ..
تحمل ذكرياتي .. تحمل في حناياها روحي .. لا يا دموعي
لا تنزلي .. لا تنهمري فلم يأتي الليل بعد ..
ولم أغلق باب خلوتي .. ألا ترين الجميع يرصد سر صمتي ..
لا تفضحي رجولتي .. ولا تكسري شجاعتي ..
فان عرف الجميع سر صمتي .. انمحت من الذاكرة طفولتي ..
وصرت قصة الحكاواتي .. فأنا لا أريد أن ادخل التاريخ حزين ..
ولا أريد أن أكون مثالاً لمأساة
العاشقين ..
سأبقى صامتاً .. فالصمت كل ما لدي في حياتي ..
اخبي فيه همومي .. وأحزان رافقتني وستبقى ترافقني ..
فان تكلمت يوما .. فذاك يعني أني قد فقدت ذاكرتي ..
فان لم يكن كذلك فذلك يعني أني وجدت بعد
طول زمان سعادتي .. وسعادتي من دون حبيبتي يعني جنوني ..
فيا حبذا الجنون فيمن عشقت هواها ..
أيا امرأة احتار الناس في صمتي .. يا سبب مأساتي ..
و يا لوعة حزني .. تركتني ضحية الشوق ..
وفريسة الأيام الخوالي .. وليال سهرت معي حتى ملت هيامي ..
إلى من تركتني ورحلت ..؟؟ إلى من قدمت
روحك بعدي ..؟؟ من حل في فؤادك مكاني ..؟؟
أتراه يعشقك مثلي ..؟؟ أم سار بليل الخفاء إلى جناحيك
كما كنت القي دموعي في راحتيك ؟؟ ..
لمن تركت وجهي الحزين الذي كنت أسنده على كتفيك ..
واذرعي التي باتت فارغة .. لا تضم سوى الأحلام الراحلة ..
.. عشت معك أيام صغار رحلت وتركت في نفسي ذكريات حلوة ..
كم انتظرت عودتك إلي ..
فطالت وحدتي واستوطنت في القلب أحزاني ..
عودي يا حبيبتي وأبعديني عن الهموم ..
عودي فسيحملك الشوق إلى أحضاني ..
عودي فالخوف كاد يقتل حنيني وانسي ..عودي إلى من
ضحى بروحه وقلبه من أجلك ..
عودي إن كنتِ لا زلت تتذكرين إنسانا رفع ظلام الليل عنك
ووضع قلبه الذي أنار الدجى فوق سماء اشتاقت إلى نور القمر ..
فكانت أنواره تبعث إليك الحنين والطمأنينة ..
عودي إن لا زلت تتذكرين إنسانا لما رآك في بحر من
الدموع مد يده إليك ليخرجك من وحدتك وعذابك ..
.. أتراك تتذكرينني .. أم نسيتي إنسان
كان يرسم الابتسامة على شفتيك ..
هل تذكرين كم غنينا من الأغاني ما أبهج قلبينا ؟؟
هل تتذكرين كم ليلة رافقت أمانينا .. ونجوم عددناها فراحت تناجينا ..
هل تتذكرين صوتي الذي
كان يرتدي ثياب الأمراء ؟؟ وعيوني التي أشفت آلامك ..
وقلبي الذي داوى جراحك ؟؟ هل تتذكرين ؟؟
أم أن البعد أنساكِ ما تبقى من الذكريات ..؟؟
ولم تتذكرين وقد رحلت ..!! وتركتني أعيش في صحراء وحدتي ..
وتركت قلبي الذي لم يحظ بحنان
حب دفيء .. فان لم تريدين العودة .. فسيبقى صمتي
بطل هذه القصة ..وسينتظر التاريخ أن يبوح له صمتي بتلك القصة ..
وسيسعد الجميع
عندما يتسلون بسماعها لحظة بلحظة ..
أو ستكون قصة الأطفال قبل أن يناموا على الأسرة ..
أما أنت فما همك صمتي وما همك قلبي ..
وما همك بإنسان رحلت عنه بإرادتك وبدون إذن من قلبي ..
وما همك إن التقينا أن نلتقي مثل الغرباء ..
وان تكلمنا لم يتعدى الحديث شوق الأصدقاء
وان افترقنا من جديد .. تناسيت ذلك اللقاء ..
فوداعاً يا عمري رغم ولهي وجوع شوقي ..
وداعاً رغم ألمي وحنيني إليك ..
وداعاً رغم أن صمتي اغرق في ضياعه كل الكلمات ..
وداعاً .. وكل عام وأنت وداع ..