ولعلكم تذكرون ، أنني أنجبت الكثير من العلماء والأئمة
العظام ، كالإمام الشافعي رحمه الله تعالى رحمة واسعة ، فقد وُلد ونشأ في
أحضاني ، وكان إماماً عظيماً ، وعندما ارتحل لطلب العلم ونشره في آفاق
العالم الإسلامي ، بقي دائم الحنين إليَّ ، واسمعوا واقرؤوا هذين البيتين
الجميلين لهذا الإمام الجليل :
وإني لمشتـاق إلـى أرض غـزة وإن خاننـي بعد التفـرّق كتمـاني
سقى الله أرضاً ، لو ظفرتُ بتُرْبها كحلتُ به ، من شدة الشوق ، أجفاني
وأنا الآن مدينتان ، كما يدعونني ، غزة القديمة بأحيائي القديمة التي تشمل
جزءاً من حي الدرج ، وحي الزيتون ، وغزة الجديدة من ناحية الغرب ، أو
منطقة حي الرمال . ولسوري عدة أبواب : باب عسقلان القديم ، وباب الخليل ،
وباب المنظار ، وباب الحجر ، وباب الداردوم، وباب الميناء .
ولعلكم تعرفون أن الإنكليز الخبثاء الأعداء عندما احتلوني مع سائر المدن
والقرى الفلسطينية عام 1917 أنشؤوا سكة حديدية ربطتني بلبنان شمالاً ،
وبمدينة القنطرة المصرية جنوباً . كما أنشؤوا على أرضي مطاراً عام 1927
أسموه مطار غزة .
وأما أبنائي ، فيعمل قسم منهم في الزراعة ، وقسم في صيد الأسماك ، وقسم في
التجارة ، وقسم في الصناعة التقليدية ، مثل صناعة الخزف،والبسط ،
والعباءات المصنوعة من وبر الجمال ، ومثل صناعة نسيج الأقمشة الصوفية
والحريرية والكتانية ، وصناعة السجاد والحصر على الأنوال اليدوية التي
أمتلك منها الآلاف ، كما أمتلك مئات الأنوال الآلية . ويتقن أبنائي صباغة
الأقمشة بألوانها الزاهية الجميلة .
بقي أن أقول لكم : كان يتبع لي عدد من البلدات والقرى الجميلة ، مثل خان
يونس ، ودير البلح ، وبيت حانون ، وبيت لاهيا ، ورفح ، وجباليا ، وبرقة ،
والمسمية ، وهوج ، وعراق المنشية ، وغيرها من القرى الجميلة التي دمرها
اليهود ، مثل : برقة ، وبيت داراس ، وبربرة ، وأسدود ، والجورة ، ودير
سنيد ، وسمسم ، والسوافير الشرقية ، والسوافير الشمالية ، وكوكبا ، وهوج ،
وعراق سويدان ، والفالوجة .
لقد دمر اليهود مئات القرى في فلسطين عندما احتلوها ، وأقاموا كيانهم
الصهيوني على أرضها ، فما أصاب بعض القرى التابعة لي ، أصاب مئات القرى
الأخرى في فلسطين التي أضاعها العرب بخلافاتهم ، وتآمر بعضهم ، وخيانة
آخرين منهم .. لقد تخلى العرب واقعياً عني وعن أخواتي الأسيرات المحتلات
.. تخلوا عن القدس ، وعن حيفا ويافا وجنين ، وعن عين كارم وطولكرم ونابلس
والخليل .. تخلوا عن فلسطين ، وتركوها لقمة سائغة لليهود الذين جاؤوا من
أنحاء الأرض ، وطردوا أهلنا منها ، وذبحوا ، ودمروا ، والعرب بين عاجز ،
ومتآمر خائن ، وكذلك كان أبناؤنا في فلسطين ، بين عاجز وخائن ومتآمر ،
ولكن الله لم يدع العرب من أهل فلسطين وغير فلسطين على ما هم عليه ، فبعث
الله نفراً من العرب ، جعلوا القضية الفلسطينية قضية العرب والمسلمين ،
واستنفروا العرب والمسلمين كافة للجهاد في فلسطين ، فهبت طائفة منهم
مجاهدة ، تجاهد بما تملك من شبان وأموال ، وقدمت آلاف الأرواح الطاهرة
فداء لفلسطين ، وما زال هؤلاء الأحرار المؤمنون الأطهار يجاهدون في سبيل
الله ، من أجل إنقاذي وإنقاذ أخواتي من المدن والبلدات والقرى الفلسطينيات
، وسوف ينتصرون على اليهود وعملائهم من الفلسطينيين والعرب والعجم ، سوف
يقهرون أعداء فلسطين الذين هم أعداء الله والإنسانية ، وسوف ينتصرون بإذن
الله على اليهود وعملائهم ومسانديهم وأعوانهم في بلاد العرب والعجم .. في
أوربا وأمريكا ، وقد بشركم وبشرنا بهذا النصر رسولنا القائد العظيم محمد
صلى الله عليه وسلم حينما قال :
"لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لعدوهم قاهرين لا يضرهم من خالفهم
... قالوا: يا رسول الله ! وأين هم؟ قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس"
أي في سائر بلاد الشام التي باركها الله تعالى .
سوف ينتصر أبنائي بعون الله تعالى ، برغم الظلام والظلمات التي تخيم على
فلسطين .. على القدس وغزة ، وعلى الخليل وجنين ونابلس ، وعلى حيفا ويافا
وأمّ الفحم .. سوف ينتصرون بإذن الله ، ويرغمون أنوف اليهود وعملائهم
وأعوانهم ، وسوف يطهرون الأرض الفلسطينية العربية المسلمة من أرجاسهم ،
والله غالب على أمره ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون